الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.مقتل منطاش. كان منطاش فر مع سالم الرودكاري إلى سنجار وأقام معه أياما ثم فارقه ولحق بيعبر فأقام في أحيائه وأصهر إليه بعض أهل الحي بابنته فتزوجها وأقام معهم ثم سار أول رمضان سنة أربع وتسعين وعبر الفرات إلى نواحي حلب وأوقعت به العساكر هناك وهزموهم وأسروا جماعة من أصحابه ثم طال على يعبر أمر الخلاف وضجر قومه من افتقاد الميرة من التلول فأرسل حاجبه يسأل الأمان وأنه يمكن من منطاش على أن يقطع أربع بلاد منها المعرة فكتب له الدوادار أبو يزيد على لسانه بالإجابة إلى ذلك ثم وفد محمد بن سنة خمس وتسعين فأخبر أنه كان مقيما بسلمية في أحيائه ومعه التركمان المقيمون بشيزر فركبوا إليهم وهزموهم وضرب بعض الفرسان منطاش فأكبه وجرحه ولم يعرف في المعركة لسوء صورته بما أصابه من الشظف والحفاء فأردفه ابن يعبر ونجابه وقتل منهم جماعة منهم ابن بردعان وابن أنيال وجيء برؤسها إلى دمشق وأوعز السلطان إلى أمراء الشام أن يخرجوا بالعساكر وينفوه إلى أطراف البلاد لحمايتها حتى يرفع الناس زروعهم ثم زحف يعبر ومنطاش في العساكر أول جمادى الأخيرة من السنة إلى سلمية فلقيهم نائب حلب ونائب حماة فهزموهما ونهبوا حماه وخالفهم نائب حلب إلى أحياء يعبر فأغار عليها ونهب سوادها وأموالها واستاق نعمها ومواشيها وأضرم النار فيما بقي وأكمن لهم ينتظر رجوعهم وبلغهم الخبر بحماة فأسرعوا الكر إلى أحيائهم فخرج عليهم الكمناء وأثخنوا فيهم وهلك بين الفريقين خلق من العرب والأمراء والمماليك ثم وفد على السلطان أواخر شعبان عامر بن طاهر بن جبار طائعا للسلطان ومنابذا لعمه وذكوان بن يعبر على طاعة السلطان وأنهم يمكنون من منطاش متى طلب منهم فأقبل عليه السلطان وأثقل كاهله بالاحسان والمواعيد ودس معه إلى بني يعبر بامضاء ذلك ولهم ما يختارونه فلما رجع عامر ابن عمهم طاهر بمواعيد السلطان تفاوضوا مع آل مهنا جميعا ورغبوهم فيما عند السلطان ووصفوا ما هم فيه من الضنك وسوء العيش بالخلاف والانحراف عن الطاعة وعرضوا عل يعبر بأن يجيبهم إلى إحدى الحسنيين من إمساك منطاش أو تخلية سبيلهم إلى طاعة السلطان ويفارقهم هو إلى حيث شاء من البلاد فجزع لذلك ولم يسعه خلافهم وأذن لهم في القبض على منطاش وتسليمه إلى نواب السلطان فقبضوا عليه وبعثوا إلى نائب حلب فيمن يتسلمه واستحلفوه على مقاصدهم من السلطان لهم ولأبيهم يعبر فحلف لهم وبعث إليهم بعض أمرائه فامكنوه منه وبعثوا معه الفرسان والرجالة حتى أوصلوه ودخل إلى حلب في يوم مشهود وحبس بالقلعة وبعث السلطان أميرا من القاهرة فاقتحمه وقتله وحمل رأسه وطاف به في ممالك الشام وجاء به إلى القاهرة حادي عشر رمضان سنة خمس وتسعين فعلقت على باب القلعة ثم طيف بها مصر والقاهرة وعلقت على باب زويلة ثم دفعت إلى أهله فدفنوها آخر رمضان من السنة والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين..حوادث مكة. قد تقدم لنا أن عنان بن مقامس ولاه السلطان على مكة بعد مقتل محمد بن أحمد بن عجلان في موسم سنة ثمان وثمانين وأن كنيش بن عجلان أقام على خلافه وحاصره بمكة فقتل في حومة الحرب سنة تسع بعدها وساء أثر عنان وعجز عن مغالبة الأشراف من بني عمه وسواهم وامتدت أيديهم إلى أموال المجاورين وصادروهم عليها ونهبوا الزرع الواصل في الشواني من مصر إلى جدة للسلطان والأمراء والتجار ونهبوا تجار اليمن وساءت أحوال مكة بهم وبتابعهم وطلب الناس من السلطان إعادة بني عجلان لإمارة مكة ووفد على السلطان بمصر سنة تسع وثمانين صبي من بني عجلان اسمه علي فولاه على إمارة مكة وبعثه مع أمير الحاج وأوصاه بالإصلاح بين الشرفاء ولما وصل الأمير إلى مكة يومئذ قرقماش خشى الإشراف منه واضطرب عنان وركب للقائه ثم توجس الخيفة وكر راجعا وأتبع الأشراف واجتمعوا على منابذة علي بن عجلان وشيعته من القواد والعبيد ووفد عنان بن مقامس على السلطان سنة تسعين فقبض عليه وحبسه ولم يزل محبوسا إلى أن خرج مع بطا عند ثورته بالقلعة في صفر سنة اثنتين وتسعين وبعثه مع أخيه إيبقا يستكشف خبر السلطان كما مر وانتظم أمر السلطان بسعاية بطا في العود إلى إمارته رعيا لما كان بينهما من العشرة في البحر وأسعفه السلطان بذلك وولاه شريكا لعلي بن عجلان في الإمارة فأقاما كذلك سنتين وأمرهما مضطرب والأشرف معصوصبون على عنان وهو عاجز عن الضرب على أيديهم وعلي بن عجلان مع القواد والعبيد كذلك وأهل مكة على وجل من أمرهم في ضنك من اختلاف الأيدي عليهم ثم استقدمهم السلطان سنة أربع وتسعين فقدموا أول شعبان من السنة فأكرمهما ورفع مجلسهما ورفع مجلس علي على سائرهم ولما انقضى الفطر ولي علي بن عجلان مستقلا واستبلغ في الإحسان إليه بأصناف الأقمشة والخيول والممالك والحبوب وأذن له في الجراية والعلوفة فوق الكفاية ثم ظهر عليه بعد شهر وقد أعد الرواحل ليلحق بمكة هاربا فقبض عليه وحبسه بالقلعة وسار علي بن عجلان إلى مكة وقبض على الأشراف لتستقيم إمارته ثم خودع عنهم فأطلقهم فنفروا عنه ولم يعاودوا طاعته فاضطرب أمره وفسد رأيه وهو مقيم على ذلك لهذا العهد والله غالب على أمره أنه على كل شيء قدير.
|